” ادفع تحفظ عرضك ” مبدأ عاش عليه مروان بن محمد الشهير بأبي الشمقمق والذي طالما حوَّل موهبته إلى آليات عسكرية فاقت قدرات جيوش عصره، فكان زاده الهجاء وعتاده الابتزاز وعاش في العهدين الأموي والعباسي، وعاصر بشار بن برد وأبا نواس وأبا العتاهية.
كان « أبو الشمقمق» منسوبا اسما إلى طول قامته ولم تختلف هيئته كثيرا عن شعره فقيل في وصفه أن هيئته لم تكن على قدر من القبول، وما أن زار بلدا حتى كال المديح لأميره أو واليه؛ قاصدا بذلك أن يجني ما يريد من المال وقد كان له ما أراد.
مواجهة صعبة بين شاعرين
لم ينل «الشمقمق» حظا من الدنيا سوى شعره الفقير مثله ولم تكن بضاعته سوى الهجاء يناهض به من عارضه ويكيل به المدح لمن أغدق عليه المال واشتبك مع بشار شعريا ذات يوم فاتهم والدة بشار اتهاما أخلاقيا يندى له الجبين.
كان ميلاد «أبي الشمقمق» بعصر الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، وظل يُباري شعراء الهجاء حتى العصر العباسي وفيه تزعم مدرسة الهجاء عن جدارة حتى قيل عنه أنه «أمير الهجَّائين».
البحث عن لقمة لبطن جائع
عاش أمير الهجَّائين صعلوكاً يقتات على موائد الولاة والأمراء ولم يغنه ما تحصَّل عليه من مبالغ مالية لإسكاته أو ما ناله مقابل طيب الكلام والمديح الذي وجهه للدافعين وظل فقيرا حتى وصف حاله قائلا:
ولقد أفلستُ حتى ** محت الشمسُ خيالي
ولقد أفلست حتـــــى **حــــلّ أكلي لعيالي
وبرغم هيئته غير المقبولة وظروفه المادية التي يصفها بأنها «أصعب ما يحتمله بشر» كان لأبي الشمقمق طباع غريبة فكان يجلس في بيته ينتظر عطف أهل الفضل أو السؤال عليه من أهل الخير ويضع لفتح باب داره معايير خاصة.
معايير فتح الباب الطارقين
كان أبو الشمقمق ينظر من ثقب في الباب لينظر إلى طارقه فإن كان ممن يقبلهم من الناس فتح له الباب ورحب به على الفور. أما إن كان طارق الباب غير مقبول لديه، فيكون فتح باب الدار له من المستحيلات.
عاش أبو الشمقمق وله مع الأمراء والولاة مواقف أضحكت الناس وهم في أحلك ظروف الحزن فحين رحلت ابنة عم المنصور وحملوها إلى مدفنها في موقف حزن عصيب.. نظر المنصور يمينا ويسارا فلم يجد من الشعراء ناعيا لابنة عمه. وفوجئ بأبي الشمقمق بجوار مدفنها وهنا بادره بالسؤال: «ماذا أعددت لذلك الموضع؟».
على الفور استجمع «أبو الشمقمق» قواه الشعرية وفتش في رصيده من الشعر فلم يجد شيئا ينعي به ابنة عم المنصور فرد بسرعة بديهة على الفور بقوله: إن الراحلة «ابنة عم الأمير».. وهنا ضحك المنصور في موضع لا يصح فيه الضحك.