ماذا يحدث في بلاد الرافدين بعد الشلل السياسي التام؟

ما بين أزمات سياسية متتالية ومظاهرات واقتحامات لمبانى حكومية، يكمل اليوم العراق، عامًا كاملًا منذ إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، في غياب حكومة جديدة أو موازنة جراء شلل سياسي يهدّد بجر البلاد إلى أوضاع أكثر صعوبة.. فماذا يحدث فى بلاد الرافدين؟

الفشل في كل شئ.. هو عنوان الوضع السياسى فى العراق، فبعد مرور عام على إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة فى 10 أكتوبر الماضى، فشل الجميع في إتمام العملية السياسية ونجح الجميع في جر البلاد إلى العنف والاقتتال وتعريض السلم الأهلي للخطر جراء تمسك كل طرف بقراره.

ففشلت القوى الكردية فى تسمية مرشح لشغل منصب رئيس الجمهورية، فيما يقف التيار الصدري بالضد من مساعي الإطار التنسيقي الشيعي المؤيد لإيران لتشكيل الحكومة، ويطالب بأن تكون الحكومة العراقية الجديدة حكومة يشكلها المستقلون تمهد لإجراء انتخابات مبكرة في غضون عام ونصف، وهو ما يرفضه الإطار التنسيقي الذي يطالب بتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات بزعامة مرشحه محمد شياع السوداني.

فكانت الانتخابات البرلمانية المبكرة والتى تم عقدها قبل عام من أجل الإصلاح والتنمية، وأريد لها أن تكون حلاً ومخرجاً لأزمة سياسية خانقة، هى الأزمة بحدّ ذاتها أزمة معقدة وشائكة ومتداخلة في عناصرها وأدواتها ومدخلاتها ومخرجاتها، وأبلغ دليل على ذلك هو أنها أفرزت مشهداً اتسم باضطراب وارتباك سياسي ومجتمعي غير مسبوق.

حيث كانت نتائج الانتخابات كانت مخيبة لآمال وأطماع بعض القوى سياسية معينة، الحليفة لإيران وفصائل الحشد الشعبي،والتى حركت جمهورها رفضاً لتلك النتائج، ومع إعادة فرز الأصوات لم يحدث أى تغيير يذكر فى النتائج.

إلا أن صدمة القوى السياسة المؤيدة لإيران كانت كبيرة، عندما رفض التيار الصدى صاحب أكبر مقاعد فى البرلمان للتحالف معها لتكوين كتلة شيعية فى البرلمان، وأصر على تأليف حكومة أغلبية وطنية مع أطراف من المكونين الكردي والسني.

إلا أن هذا التحالف الذى يضم نحو 160 نائباً فشل فى تمرير مرشحيه لرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة بسبب نجاح القوى المؤيدة لإيران فى ضمّ وحشد عدد من الكتل والنواب المستقلين إلى ساحته، ليحول دون تأمين أغلبية ثلثي أعضاء البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية.

لينسحب التيار الصدى بقيادة مقتدى الصدر من المشهد السياسى بدعوى أنه لا يشترك مع الفاسدين بأي صورة من الصور، في إشارة إلى بعض قوى الإطار التنسيقي المؤيدة لإيران.

ليجر البلاد إلى متاهة جديدة بعد أن كانت على وشك الوصول، ويصف المراقبوان قرار الصدر بأنه خطأ استراتيجي كبير، إذ ترك الساحة للقوى المؤيدة لإيران.

ولكن انسحاب الصدر من تشكيل الحكومة لم يتبعه انسحاب من الشارع فلجا إلى قواعده الجماهيرية والتي وجهها أواخر شهر يوليو الماضي إلى التظاهر، ثم دخول المنطقة الخضراء والاعتصام داخل مبنى البرلمان، وهذا ما حصل بالفعل.

لتتيقن القوى السياسية الأخرى بأن أي ترتيبات سياسية يغيب عنها التيار الصدري لن يُكتب لها النجاح على المدى البعيد. هذا في حال نجحت على المدى القصير.

وتلوح في الأفق حاليا دعوات حكومية وسياسية لعقد جلسة حوار وطني حاسمة برعاية الحكومة العراقية للوصول إلى تفاهمات ومعالجة الانسداد لاستكمال تشكيل العملية الانتخابية.

وقال الرئيس العراقي برهم صالح: “مرُ عام كامل على إجراءِ الانتخابات من دونِ إِكمال استحقاقاتها الدستورية، وهو أمر غير مقبول بالمرة”.

وأضاف: “لم يعد مقبولاً استمرار الوضع القائم حيث تواجِه منظومة الحكم أزمات خطيرة، تشكيل الحكومات بات يطولُ أكثر، وبنودٌ دستوريةٌ تُعطَّل أكثر، وسوءٌ في أحوال المعيشة والخدمات أكثر، ولا يمكنُ المراهنةُ على صبر العراقيين أكثر”.

وحقق العراق، البلد الغني بالنفط والمنهك بعقود من النزاعات، إيرادات نفطية هائلة خلال العام 2022، وتقبع هذه الأموال في البنك المركزي، الذي بلغت احتياطاته من العملة الأجنبية 87 مليار دولار.

لكنّ الاستفادة من هذه الأموال في مشاريع يحتاج إليها العراق مرهون بتشكيل حكومة ذات صلاحيات كاملة، فالحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي تتولى منذ عام تصريف الأعمال ولا تملك صلاحية طرح مشروع الموازنة على البرلمان.

الخاتمة:
من بين كل عشرة شباب، يوجد أربعة عاطلون عن العمل، وفق الأمم المتحدة، فيما ثلث السكان الـ42 مليوناً، هم تحت خط الفقر، رغم العائدات النفطية الهائلة حيث ألقت الأزمات السياسية بتبعاتها عل الوضع الاقتصادى فى ظل مبادرات عقيمة وغير مجدية، وبدلاً من أن تفضي إلى حلحلة الأزمة وتقريب وجهات النظر وترميم الثقة بين الفرقاء، كانت الأمور تزيد سوءً، والأزمة تعقيداً، والفرقاء تباعداً، والشارع يأساً وإحباطاً.

Exit mobile version