سنوات الحزن.. أسرار من حياة صباح: مقتل أمها وجفاء والدها

وصلت الفنانة صباح إلى أرض القاهرة في عام 1943 عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها. جاءت بدعم من المنتجة اللبنانية الأصل آسيا داغر، التي قررت استثمار موهبتها في مصر، التي كانت تُلقب بـ “هوليوود الشرق” ومركزًا دائمًا لعشاق الفن والفنانين. وقد كانت لصباح شهرة محلية متميزة في لبنان قبل وصولها إلى مصر.

عندما وصلت صباح إلى القاهرة مع والدها، استضافتهم آسيا داغر في منزلها، وقد طلبت من الملحن الشهير رياض السنباطي تدريب صباح على أغانيها التي ستُقدم في فيلمها الأول “القلب له واحد”، والذي كان جزءًا من الثلاثية التي تم التعاقد عليها مع صباح، براتب قدره 150 جنيهًا مصريًا للفيلم الواحد، مع إمكانية زيادة الأجر تدريجيًا اعتمادًا على استحسان الجمهور لأدائها.

رغم أهمية هذه اللحظة في حياة صباح، إلا أن آسيا قررت الاحتفاظ بسرية وصولها، حيث قامت بإخفاء اسم صباح عن وسائل الإعلام. نُشرت صورة لصباح في الصحافة مع تعليق يُشير إلى وصول “المطربة الجديدة لأفلام آسيا”، ولكن بدون الكشف عن هويتها، مما أثار فضول واستغراب الجمهور.

وعلى الرغم من النجاحات الفنية، إلا أن حياة صباح كانت معقدة وغير مثلى. كانت تبحث عن السعادة، ولكن التعاسة بدلاً من ذلك كانت تبحث عنها. رغم عدم نجاحها في العثور على السعادة، إلا أن قصص حياتها تروي تجاربها الشخصية والصعاب التي واجهتها بشكل واضح.

 

 – مقتل الشقيقة الكبرى

أول المآسي التي عرفتها صباح، كانت مقتل شقيقتها جولييت، في العاشرة من عمرها، بعد إصابتها بطلق ناري نتيجة شجار وقع في بدادون بلبنان، الأمر الذي كان سبباً لمغادرة صباح البلدة إلى بيروت والإلتحاق بالمدرسة الرسمية أولاً ثم بمدرسة اليسوعية، وكانت جولييت جرح في قلب صباح، ولم تنساها طيلة حياتها.

 – مقتل الوالدة

حكت الفنانة صباح في لقاء تلفزيوني مع الفنانة صفاء أبو السعود في برنتامج ساعة صفا، إن والدها كان دائم السفر معها، بينما تعرفت والدتها على شخص (رفضت صباح ذكر اسمه، ولمحت له بأنه كان يمثل مع شقيقتها لمياء فغالي)، وأعطاها هذا الشخص الاهتمام خاصة إن والد صباح كان شخص قاسي للغاية.

وأضافت صباح أن بعض الأقارب أوعزوا لشقيقها انطوان بقتل أمه منيرة سمعان بسبب الخيانة، فقتلها هي والشخص، وهرب خارج لبنان، وقالت صباح إن شقيقها أصيب بالجنون، وهرب إلى سوريا ثم البرازيل وظل بلا طعام أيام طويلة، لكنه حاليا لديه ابنة نائبة في البرلمان البرازيلي في ريو دي جانيرو (تقصد چانديرا فيغالى) وابنه فنان في التلفزيون البرازيلي اسمه ريكاردو فغالي، وأكدت صباح أنها تواصلت مع شقيقها بعد ذلك، وزار هو لبنان، موضحة: “أمي ماتت في جبل في لبنان (قرب بلدة “برمانا” البعيدة بقضاء المتن في محافظة جبل لبنان 20 كيلومتراً عن بيروت)، وأختى لميا لو مهما عملتيلها مش هتطلع الجبل دا، لأن قلبها بيتقبض فيه، واتعذبنا كتير، لكن هو ندم كتير على اللي عمله في أمه، وزار لبنان بعدما عاش باسم مستعار هو ألبرت فغالي لسنوات طويلة هربا من ثأر أسرة القتيل، وبعدما حصل على عفو بسبب تقادم الجريمة 20 عاماً.

صباح مع والدها وشقيقتها جولييت

وقع الخبر على صباح

قالت الفنانة صباح إنها كانت تستيقظ يوميا على كابوس إن والدتها ماتت، وكانت صباح متزوجة من  نجيب شماس (والد ابنها الدكتور صباح شماس)، وكان يعرف بخبر الوفاة، لكنه لم يخبرها بذلك، حتى قالت لها دولت أبيض: “صباح، صحيح إن أمك ماتت”، فنفي نجيب شماس الخبر، وبعدها اصطحبها للسفر للبنان من الإسكندرية، وأخبرها بوفاة والدتها في المركب (لم يكن  نجيب شماس حزينا على مقتل أم صباح لأن والدتها لم تكن تحبه وكانت تتوعده بالطلاق من صباح”.

 

 

الفاجعة أن شقيق صباح كان بعمر الثامنة عشر، وظل طيلة حياته متخفيا خوفا من ثأر أسرة القتيل، والفاجعة الأكبر أن والدة صباح دفنوها في مكان لا يعرفه إلا من دفنها، حتى صباح لم تكن تعلم مكان مثوى والدتها الأخير، ولم تعلم بخبر وفاتها إلا بعد شهرين من الوفاة بسبب تواجدها في مصر.

– جفاء الأب

حكت صباح عن والدها السيد جرجي (جرجس فغالي)، إنه كان شديد القسوة معها، وضربها في الإستوديو بسبب حديثها مع الفنان أنور وجدي، مؤكدة: “أبويا في الأول كان قاسي، ومرة كنت عيانة وعايزة دوا، فهو جابلي الدوا، وكنت حامل بابني صباح، فقلتله تمن الدوا كام قالي 18 ليرة، فقلتله معلش بقالي فترة مشتغلتش، اول ما اشتغل هديلك الفلوس، فأخد الدوا ومشي”.

فيديو نادر لوالد صباح

 

 

وأضافت أن والدها كان شديد الخوف عليها، وكان يخاف عليها من الفن، لكن جانو فغالي، ابنة شقيقة الفنانة الراحلة صباح، تنفي هذه الرواية عن والد صباح، وتقول: ” لم يكن قاسيًا كما صوّرته الدراما، بل دعّم موهبة صباح منذ البداية، وباع كل ممتلكاته في لبنان وجاء إلى مصر من أجل دعم ابنته فنيًا، لكن ربما كان طبع الآباء الصارم في تلك الفترة، هو سبب ذلك التصوُّر عنه، كما ساهم مسلسل الشحرورة في ترسيخ صورة الرجل القاسي عن والدها (جسده رفيق علي أحمد).

 

 

– علاقتها بهويدا

علاقة صباح بهويدا هي العلاقة الأكثر تعقيدا، غنت صباح لهويدا اغنيتها الشهيرة “أمورتي الحلوة”، لكن أمورة صباح لم تكن حلوة معها بأي حال من الأحوال، فهويدا لم تحضر جنازة والدتها (“كلودا عقل” ابنة شقيقة صباح أرجعت عدم حضور هويدا لجنازة والدتها لإصابتها بصدمة عصبية).

لم تنعم بطفولتها مثل باقي الأطفال، توفي والدها في مقتبل عمرها، فأضحت الابنة المدللة لوالدتها وصديقتها بل وكاتمة أسرارها،  كانت هويدا في الرابعة عشر من عمرها عندما وقعت في حب رشدي أباظة، لكن رشدي كان يحب والدتها، الأمر الذي أثار غيرة هويدا من والدتها، كانت هويدا تغير من صباح، وتتمنى أن تكون هي صباح لا ابنة صباح.

وتلقت صباح صدمة في ابنتها، عندما تزوجت هويدا سرا، فظلت صباح “تلطم” على خديها وتصرخ، وتعرضت لصدمة كبيرة، وفقدت صوتها لفترة من الوقت من شدة الصراخ.

ووفقا لجانو فغالي، قدمت صباح في القاهرة سنة 1990 استعراض هالو كايرو، وهو عمل استعراضي – غنائي، وكان عبارة عن تابلوهات استعراضية – غنائية من فصلين،  الفصل الاول يتكون من لوحات استعراضية – غنائية يقدمها الفنان فادي لبنان زوج الصبوحة آنذاك، بمرافقة فرقته الراقصة المكونة من 30 راقص وراقصة ومدتها بين 45 دقيقة الى ساعة كاملة، ثم تختتمه الشحرورة صباح بوصلة غنائية.- استعراضية مدتها ساعتان.

ويحكي جورج فياض، الصديق المقرب من صباح عن يوم من أيام عرض هالو كايرو قائلا:”هويدا كانت علاقتها بأمها حسب مزاجها، مرات جيدة ومرات كثير سيئة، وعندما قدمت صباح هالو كايرو في الماريوت في مصر، دعتني أنا وجان عواد لحضورها، وكانت هناك هويدا وعدد من مشاهير مصر، بمجرد أن بدأت صباح بـ “الأوف”، وإذ بهويدا تفقد أعصابها وتقذف كوبا كان موجودا على الطاولة ووصل إلى رأسي وكاد أن يقتلني، وكل الناس كانوا يعرفون أن هويدا تغير من أمها”.

عاشت هويدا حالة من الصراع النفسي، فهي تملك خلفية دينية مختلطة، فوالدها مسلم (العازف أنور منسي)، ووالدتها مسيحية (أسلمت ثم عادت للمسيحية)، وجدتها كانت يهودية، واعتنقت الإسلام فيما بعد، وصرحت هويدا إنها تعتنق المسيحية والإسلام معا، ولذلك ثارت ثائرة أهل هويدا في مصر ورفضوا أن يصورها المسلسل كمسيحية لأنها مسلمة، لكن هويدا سبقت الكل، ورفعت قضية على صباح لمنع ذكر اسمها في المسلسل من الأساس، فحين تعاقدت الفنانة صباح على تجسيد سيرتها في عمل تليفزيوني، يحمل اسم”الشحرورة” في سنة 2011، قررت حذف أي مشهد يخص سيرة ابنتها، وذلك بعد تهديد ابنتها لها باللجوء إلى القضاء حال التطرق إلى حياتها الشخصية.

 

بعد ذلك أدمنت هويدا وباعت صباح كل ممتلكاتها لعلاجها، حيث أصيبت هويدا بأزمة صحية عام 2006، ما أجبر صباح على بيع بيتها والإقامة في فندق وإدخال ابنتها مصحة في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، وحتى وقتنا هذا لا يعرف أحد مكان هويدا بعدما هربت من شقيقها صباح في الولايات المتحدة، أثناء رحلة علاجها، ففي سنة 2018، أعلنت أسرة هويدا أنها مفقودة، حيث هربت من أخيها غير الشقيق، ورفضت الخضوع للعلاج في مصحة من تعاطي المخدرات، حيث أنها تعاني من مشكلة الإدمان منذ أن كانت صبية.

كانت صباح تعيش في الفنادق بسبب سوء حالتها المادية، وكان الرئيس الليبي الراحل ​معمر القذافي​ عرض على صباح الإقامة في قصر فخم في ​ليبيا لأنه كان من محبي فنها،​ لكنها رفضت مغادرة بلدها لبنان، فقرر شراء بيت لها في منطقة الحازمية قيل إن سعره وصل مليون دولار.

26 نوفمبر 2014، في مقر اقامتها بأحد الفنادق، عن عمر ناهز 87 عاماً وتعتبر جنازة صباح من أغرب الجنازات في العالم، فقد أوصت قبل موتها بأن لا يحزنوا عليها وأنها تريد أن تُشيَّع على أنغامها، وهذا ما تمَّ تنفيذه من قبل الشعب اللبناني وأهلها حيث أن جنازتها امتلأت بأغانيها والرقصات الشعبية

Exit mobile version