امرأة من نسل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، قيل إنها صاحبة كرامات وقيل إن حياتها كانت مثالا يحتذى .أوصى الإمام الشافعي أن تصلي عليه في جنازته.
ولازال مقامها ومسجدها الكريم دارا لمحبي العلم والفقه والقرآن الكريم ، فمن هي السيدة نفيسة رضى الله عنها ولماذا رفض المصريون أن تتركهم حتى بعد وفاتها.
ولادة السيدة نفيسة
السيدة نفيسة رضى الله عنها وهي من نسل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ومن آل بيته فهي بنت الإمام الحسن الأنور بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب.
ولدت في مكة في 11 ربيع الأول عام 145هجريا، وكانت والدتها تدعى أم سلمى الملقبة بأم ولد وذلك لأنها كانت لا تنجب إلا الذكور، فقد ولدت السيدة نفسية بعد عشرة من الذكور ففرحت أمها بها فرحا كبيرا، وكان والدها يتمنى أن يعطيه الله بنتا مثل رسول الله .. فأسماها نفيسة أي الجوهرة المكنونة، وكانت بشرة خير لوالدها .
بعد أن بشر بن الأنور بولادة نفيسة وهو في الكعبة جاءته البشارة الأخرى وهى توليه ولاية المدينة المنورة مع منحة قدرها عشرون ألف درهم وبذلك كانت نفيسة وجه الخير والسعد على والديها
انتقالها إلى المدينة
انتقلت السيدة نفيسة إلى المدينة المنورة وهى فى الخامسة من عمرها، وكانت دائمة الذهاب إلى المسجد النبوي وتستمع إلى شيوخه وتتلقى الحديث والفقه من علمائه.
ومن شدة حبها وشغفها للعلم لقبت بنفيسة العلم قبل أن تتخطى مرحلة الطفولة، نظرا لإتقانها القراءة والكتابة وهى لم تبلغ السابعة وحفظت القرآن كاملا فى الثامنة من عمرها .
زواج السيدة نفيسة
تقدم لخطبة السيدة نفيسة إسحاق بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، وكان معروفا عنه شدة أمانته وإيمانه ، ولكن والدها رفض تزويجها في البداية.
إلى أن رأى في المنام رسول الله صل الله عليه وسلم يوصيه بتزويج نفيسة لجعفر، وهو ما تم بالفعل فى عام 161هجريا
وأنجبت لإسحاق ولدا وبنتا هما القاسم وأم كلثوم.
وسافر إسحاق بصحبة زوجته الى مكة المكرمة، وطلبت السيدة نفيسة زيارة مقام الخليل إبراهيم، عليه السلام فأخذها زوجها لزيارته.
زيارة مصر
ثم طلبت زيارة مصر وبالفعل ذهبت في يوم 26 رمضان 193هجريا ، وكانت شهرتها قد سبقتها وأحبها الناس وسمع عنها أهل مصر ، فخرج الناس لاستقبالها على أبواب مصر تحديدا عند مدينة العريش.
ووهبها والي مصر دارا واسعة وحدد يومين فى الأسبوع يزورها الناس طلبا للعلم والنصيحة، حتى لا تنشغل السيدة نفيسة عن عبادتها وأورادها وتجد في إقامتها في مصر إزعاجا لها من شدة حب الناس وإقبالهم عليها.
كرامات السيدة نفيسة
عرف عن السيدة نفيسة نصرتها للمظلوم، فعندما استغاث بها الناس فى مصر من ظلم ابن طولون اعترضت موكبه وطلبت منه أن يتوقف عن ظلم الناس فاستمع إليها.
وعندما توقف النيل عن الزيادة فى الوقت الذي كانت فيه في مصر حضر إليها الناس وطلبوا منها الدعاء فأعطتهم وشاحها الخاص بها وقالت ألقوه فى النيل فلما ألقوه زاد منسوب نهر النيل وعادت البركة إليه مرة أخرى.
مما جعل الناس يتحدثون عن كرامات الست نفيسة العلوم وكانت معجزة من المعجزات وكرامة من كرامات السيدة نفيسة .
نفيسة والأمام الشافعي
وكان الإمام الشافعى وهو عالم وفقيه من فقهاء الدين إذا مرض أو أصابه عارض يرسل لها رسولا من عنده ويطلب من السيدة نفيسة أن تدعو له فلا يعود إليه رسوله إلا وقد تعافي ..وكان يزورها في دارها التي وهبها لها والي مصر ويتناقش معها في علوم الدين والفقه وأحاديث الرسول محمد صلي الله عليه وسلم.
فلما مرض الشافعى مرضه الأخير أرسل لها رسوله فقالت “متعه الله بالنظر لوجهه الكريم” فعلم الإمام الشافعي أن اللحظات الأخيرة قد حانت ولا مفر منها ورحل الإمام الشافعي بعدها بأيام.
وأوصى الإمام الشافعي أن تصلي عليه السيدة نفيسة في جنازته، فمرت الجنازة إلى دارها فصلت عليه تنفيذا لوصيته.
كرامات لا تنتهي
ومن كراماتها أيضا حينما جاءت إلى مصر ونزلت بدار كان بجوار بيتها بيت به ابنة لاتقدر على الحركة وكانت الفتاة تحب أن تبقى عند السيدة نفيسة.
فاستأذنت الأم من السيدة نفيسة فأذنت لها، ووضعت الفتاة الصغيرة فى زاوية البيت، فقامت السيدة نفيسة وتوضأت فجرى ماء وضوئها إلى البنت المريضة فألهمها الله أن أخذت بماء الوضوء ومسحت به على قدم الفتاة الصغيرة، فشفيت بإذن الله وانتشر الخبر بين الناس وكانت واحدة من أكبر كرامات السيدة نفيسة بأمر الله .
اقتراب الرحيل
شعرت السيدة نفيسة باقتراب أجلها..فاستعدت لتلك اللحظة جيدا وقامت بحفر مثواها حتى تصلي فيه وتختم القرآن
وقامت بختم القرآن فيه حوالي 190 مرة.
وأرسلت الى زوجها تطلب منه أن يأتي إليها ولكنه لم يأتي فاشتد عليها المرض ، ورافقتها في ذلك الوقت زينب بنت أخيها ، وحكت أنها مرضت فى أول جمعة فى رمضان وظلت صائمة ورفضت أن تفطر رغم شدة مرضها.
ووصلت للعشرة الوسطى في رمضان فكانت تقرأ سورة الأنعام حتى وصلت لقول الله تعالى (قل لله كتب على نفسه الرحمة) فاغمى عليها وفاضت روحها في شهر رمضان.
وصية نفيسة
أوصت السيدة نفيسة بدفنها فى مدفنها الذى حفرته بيديها وهو نفس مكان مقامها الكريم الموجود في مصر، فجاء زوجها وكان مصمم على دفنها في منطقة البقيع.
لكن المصريين طلبوا منها أن يتركها في مصر وطلبوا من الحاكم أن يتوسط له فلم يقبل شفاعته، وجلس الناس حول قبرها يدعوا الله آلا يريهم ساعة فراقها وأن تدفن في مصر وفي المكان الذي اختارته.
ولما أشرق نور الصباح أقبل زوجها إسحاق ليقول لجموع الناس أنه رأى في المنام رسول الله فى منامى قائلا ( دع نفيسة للمصريين) فتركها بأمر من رسول الله صلي الله عليه وسلم.
يوم رحيل نفيسة
وكان يوم تشييعها مشهودا دعا فيه آلاف الناس لها، وبكوا على فراقها، وظل مقامها ومسجدها الشريف في القاهرة في مصر يحظى باهتمام العلماء والأمراء الذين تعاقبوا على مصر لزيارة ذلك المقام الشريف والصلاة في مسجدها ، وقد عرف عن خديوي مصر عباس حلمى الثانى أنه كان من محبي السيدة نفيسة، وهو من قام بتوسعة مسجدها وتجديده ليظل مقام السيدة نفيسة حتى الآن قائما موجودا لمحبي نفيسة العلم والمعرفة ويظل مكانا يحبه المصريون ويحترمونه ويعتبرونه رمزا كبيرا.