أوروبا في خطر، شبابها عازفون عن الزواج وعجزتها طاعنون في السن، وتقطعها الأزمات قبل دخول البرد القارص.
التراجع حاد في المواليد بلغ ذروته سواء في شرق أوروبا أو في غربها، منذرا بالأسوأ وداقًا لناقوس الخطر الداهم الذي يلوح في الأفق.
فما هو سبب ذلك الانخفاض الحاد؟ وماهي توابعه الخطيرة على القارة العجوز؟ وما هو الحل الذي باستطاعته حل شيخوخة أوروبا؟
أوروبا تعاني من أزمة حادة في تعداد السكان، أصبح هذا واضحا بما لا يدع مجالا للشك في الآونة الأخيرة، ولمثل هذه الظاهرة تداعيات خطيرة تكاد تهدد بفناء شباب القارة العجوز.
فتراجع عدد الولادات يعني نقص الأيدي العاملة، مما سيقلل الدخل القومي للبلاد، كما أن ارتفاع نسبة الشيخوخة سيؤدي إلى زيادة الإنفاق على معاشات التقاعد، وإذا جمعنا قلة الدخل مع زيادة الانفاق سنجد أن أوروبا عما قريب ستصبح عاجزة عن تحقيق تطورات اقتصادية تضمن لها التفوق أمام قوى الاقتصاد العالمية الأخرى الصاعدة بقوة في العالم.
ماهي أسباب انخفاض أعداد السكان في أوروبا؟
البطالة بكل تأكيد سبب رئيسي وراء انخفاض معدلات الإنجاب في أوروبا، فهي من أهم العوامل التي تدفع الشباب إلى العزوف عن التفكير في تأسيس أسرة وإنجاب الأطفال وتحمل الأعباء المادية المكلفة.
ووفقًا للتقارير، فإنه من المتوقع حدوث تراجع في النمو الاقتصادي يتراوح بين 0.5 و1% سنويًّا على مدار 15-20 سنة القادمة، وهي نسبة كبيرة جدا سيكون لها تأثير كبير على جوده الحياة في أوروبا.
وهو ما يعني عددًا أقل من العمال، وانخفاضا أكبر للإنتاجية، وانخفاضا في الإنفاق العام على السلع، وزيادة للدين.
لكن أخطر جزء في الدراسات كان الذي يبنبئ بانقراض أوروبا تماما من سكانها، فبحسب الدراسة فإن كل جيل سيقل عن سلفه بنسبة 25%، وبحلول عام 2050 سيتناقص عدد سكان دول أوروبا بنحو 50 مليون نسمة.
وعلى إثر ذلك حذرت صحيفة الجارديان بأن الجنس الألماني الأري قد يندثر قريبا، ففي عام 2010 سُجلت نسبة المواليد 7.88 لكل ألف شخص بانخفاض 16% عن الأعوام العشرة السابقة.
كما أن دولة مثل إسبانيا تعتبر من أدنى الدول الأوروبية في معدلات الخصوبة، إذ يبلغ متوسط عدد الأطفال المولودين لكل امرأة في سن الإنجاب 1.27.
ومن الدول أخرى المهددة بشبح الانقراض البرتغال وإيطاليا وبولندا وبلغاريا، كما أن عدد سكان أوكرانيا، وكرواتيا، ورومانيا، ومولدوفا، وليتوانيا، وبولندا، وصربيا، والمجر، سينخفض بنسبة 15% بحلول عام 2050.
كيف يمكن مواجهة هذا الخطر؟
صدق أو لا تصدق فإن الحل السحري أمام القارة العجوز لتجنب الشيخوخة التي تضربها هو في تبني الهجرة القادمة إليها من الدول الأخرى.
ولقد أظهرت الدراسات الدور الفعال الذي ساهمت به النساء المهاجرات إلى أوروبا في ارتفاع معدل الإنجاب بالقارة العجوز.
ففي ألمانيا مثلا، وصل عدد سكان البلاد إلى83 مليون نسمة بسبب الهجرة الوافدة إليها، وبلغ صافي عدد المهاجرين لألمانيا في 2018 حوالي 380 ألف مهاجر.
والخطوة الأخيرة هي: التشجيع على الإنجاب، ومثال جيد على ذلك ما قام به رئيس وزراء ايطاليا، حينما أعلن عن خطط لمنح الأزواج ذوي الدخل المحدود «مكافأة أطفال» شهرية بقيمة 80 يورو، بالإضافة لتقديم 700 يورو شهريًّا لمدة ثلاث سنوات للوافدين الجدد حال انتقالهم للعيش داخل البلاد.
بعض تلك الخطوات قد تساعد القارة الأوروبية على الاستمرار والحفاظ على بعض شبابها ولو قليلا، ولكن يبقى السؤال القائم مطروحا، هل ستعود القارة العجوز لشبابها مرة أخرى أم ستزداد عجزا على عجزها وشيخوخة على شيخوختها.