ثقافة ومعلومات

صوم بلا هلال..قصة الحاكم الذي اخترع مواعيد جديدة للصوم

إنه صوم من نوع خاص، بدون رؤية الهلال، إفطاره وسحوره بالأمر المباشر. ولا يقوى أحد من الرعية أن ينطق بكلمة .. هكذا فعل ذلك الحاكم المسلم الذي أثار غضب المصريين جميعا، لكنهم عرفوا كيف يكون الرد على شأن يخص دينهم ومعتقدهم في شهر بالنسبة لهم من أهم وأجمل شهور العام على الإطلاق.. فماذا اخترع ذلك الحاكم حتى استثار غضب شعب بأكمله؟

للدين عند المصريين قدسية خاصة حتى أن المؤرخين أيقنوا بما لا يدع مجالا للشك أن قدماء المصريين كانوا أول من بحث عن فكرة نشأة الكون والخلق والوجود وما آمن المصريون بعقيدة إلا امتزجوا بها مظهرا ومعنى ولعل ذلك يفسر الطقوس الخاصة بشهر رمضان الكريم في مصر دون غيرها من الدول الإسلامية.

باني الأزهر يتحدى الدين

لهذه الأسباب لم يكن المصريون ليسمحوا لبشر أيا كان موقعه بالاقتراب من شهر رمضان أو المساس به تعديلا أو اجتهادا .. لكن ما حدث في عهد جوهر الصقلي في العصر الفاطمي صدم الجميع فما أن وضع مقاليد الحكم في يده وطابت له إنجازاته حتى أراد أن يفرض على الشعب المصري منهجه الغريب وأفكاره التي أحدثت ارتباكا لدى المصريين أثناء أدائهم لشعائرهم.

صدرت تعليمات عليا من القائد الفاطمي جوهر الصقلي بإجراء تعديلات على نظام الصوم الذي يؤديه المصريون وكان ملخص الأوامر أن يكون الصوم وفق رؤية الحاكم وحسب ما يراه مناسبا بحيث يتم إلغاء رؤية الهلال.

استهدف المصريين في فريضتهم

أحدث القرار حالة من الريبة بين المصريين كافة وبدأ البعض يشك في مدى صحة صيامهم حيث أتبع جوهر الصقلي تعليماته بشأن إلغاء رؤية الهلال كأحد شروط تحديد مواعيد بدء شهر رمضان.. اتبعها بتعليمات أشد تعقيدا تضمنت أن يكون صوم شهر رمضان الكريم ثلاثين يوما في عام وتسعة وعشرين يوما في العام الذي يليه.

كان يعني القرار مخالفة صريحة لأوامر الدين الحنيف وراودت الناس شكوك في مدى مشروعية صيامهم بالطريقة العادية وما أن حل موعد عيد الفطر حاول جوهر الصقلي إضفاء مشروعية على قراره الذي كان يعلم أنه مرفوض لدى المصريين شكلا وموضوعا.

من يجرؤ على المعارضة؟

أفطر الحاكم يوم عيد الفطر وصلى صلاة العيد ومن خلفه حاشيته ومساعدوه يمجدونه ويقدمون له أسمى آيات التهاني والتبريكات بينما كان للمصريين رأي آخر .. فرغم المهادنة التي اتبعها البعض مع قرار الصقلي تفاديا لقوته وسطوته إلا أن الغالبية رفضت الإفطار أو صلاة العيد دون اتباع القواعد والإجراءات الشرعية المعمول بها في مثل تلك المناسبة الدينية.

لم يأبه الصقلي لرأي شعب بأكمله وواصل استفزاز المصريين بموكب رسمي كان يتقدمه أول الشهر الكريم إيذانا بقدوم الشهر وفخرا بمنهج الحاكم المفروض على الناس بالمخالفة للدين وهنا زاد المصريون غضبا بشأن أفعال الصقلي..

كيف عاد رمضان إلى سيرته الأولى؟

ويفسر كراهية المصريين لتلك الأفكار التي رفضوها من البداية فرحتهم الكبيرة بنجاح صلاح الدين الأيوبي في إنهاء حكم الخلافة الفاطمية.. حيث عادت طريقة تحديد واحتساب شهر رمضان إلى سيرتها الأولى وتقرر إعادة الشروط النظامية لرؤية الهلال كل عام فكان يتم اختيار الثقات العدول المشهود لهم بالدين والخلق والصدق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى